فصل: المقصور والممدود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


الحكاية‏:‏

هذا باب للحكاية بأي، وبمن في الاستثبات، لا مطلق الحكاية‏.‏

احْكِ بأيٍّ ما لمنكور سُئِلْ‏.‏‏.‏‏.‏ عنه بها في الوَقْفِ وحين تَصِلْ

إذا سئل بأي حكي بها ما للمسئول عنه بشرطين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكون السؤال عن مذكور، الثاني‏:‏ أن يكون نكرة‏.‏

وفي الحكاية بها بهذين الشرطين لغتان‏:‏

الأولى‏:‏ أن يحكى بها ما للمسئول عنه من إعراب وتذكير وإفراد وفروعهما، فتقول لمن قال‏:‏ قام رجل أي أو رجلان أيان أو رجلا أيون أو امرأة أية أو امرأتان أيتان أو نساء أيات، ولا يحكى بها إلا جمع تصحيح موجود في المسئول عنه أو صالح لأن يوصف به نحو رجال، فإنه يوصف بجمع التصحيح فتقول‏:‏ ‏"‏رجال مسلمون‏"‏، وهذه اللغة هي الفصحى وبها جزم هنا‏.‏

والثانية‏:‏ أن يحكى بها ما له من إعراب وتذكير وتأنيث فقط ولا يثنى ولا يجمع‏.‏ فتقول‏:‏ أي لمن قال‏:‏ قام رجل أو رجلان أو رجال وأية لمن قال‏:‏ قامت امرأة أو امرأتان أو نساء‏.‏ وقوله‏:‏ ‏"‏في الوقف أو حين تصل‏"‏ يعني‏:‏ أن أيا يحكي بها في الحالين بخلاف من‏.‏

تنبيه‏:‏

اختلف في الحركات اللاحقة لأي، فقيل‏:‏ هي حركات حكاية وأي بمنزلة من في موضع رفع بالابتداء أو الخبر، ولا يبعد أن تكون مفعولة محلا، وقيل‏:‏ هي حركات إعراب فهي في الرفع على قياس قول البصريين مبتدأ وخبرها محذوف تقديره‏:‏ أي قام، وإنما لم يقدم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وأجاز الكوفيون رفعها بفعل مضمر قبلها، ولو أظهر لجاز‏.‏

وأما في النصب والجر فهي محمولة على فعل مقدر بعدها تقديره‏:‏ أيا ضربت وبأي مررت، ويجب ذكره مؤخرا، وأجاز بعضهم أن يؤتى به قبل أي‏.‏

واعترض من قال‏:‏ إنها إعراب؛ لأنه يلزمه إضمار حرف الجر في نحو أي، والتزم بعضهم إدخال حرف الجر فيقول‏:‏ بأي‏.‏

ثم انتقل إلى من فقال‏:‏

ووقْفًا احْكِ ما لمنكور بِمَنْ‏.‏‏.‏‏.‏ والنونَ حرِّكْ مطلقا وأشبِعَنْ

إذا سئل بمن عن منكور حكي بها في الوقف دون الوصل ما للمسئول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعهما، وتشبع الحركة في نونها حال الإفراد فتقول لمن قال‏:‏ قام رجل مَنُو، ولمن قال‏:‏ رأيت رجلا منا، ولمنقال‏:‏ مررت برجل مني‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ الحكاية بمن مشروطة بالشرطين المذكورين في الحكاية بأي‏.‏ أعني‏:‏ كون المسئول عنه مذكورا منكورا‏.‏

الثاني‏:‏ فهم من كلامه أن ‏"‏أيا‏"‏ تخالف من في أمرين؛ أحدهما‏:‏ أن ‏"‏أيا‏"‏ يحكى بها وصلا ووقفا ولا يحكى بمن إلا وقفا‏.‏ والآخر‏:‏ أن ‏"‏أيا‏"‏ لا تشبع حركاتها في الوقف بخلاف من‏.‏

الثالث‏:‏ اختلف في هذه الأحرف اللاحقة لمن فقال أبو علي‏:‏ ألحقت إرادة الحكاية وحركت النون إتباعا لها، وذهب السيرافي إلى أن الحكاية وقعت بالحركات ثم أشبعت فنشأت عنها الحروف؛ ليوقف عليها، وبهذا يشعر قول الناظم‏:‏ ‏"‏وأشبعن‏"‏، وذهب قوم إلى أن هذه الأحرف مبدلة من التنوين‏.‏

ثم اعلم أن المحكي ستة أقسام؛ لأنه إما مذكر وإما مؤنث وكل منهما إما مفرد وإما مثنى وإما جمع، وقد تقدم حكاية المفرد المذكر‏.‏

ثم انتقل إلى المثنى المذكر فقال‏:‏

وقُلْ مَنَانِ ومنَيْنِ بعدَ لِي‏.‏‏.‏‏.‏ إِلْفانِ بابنيْنِ وسكن تَعْدِلِ

أي‏:‏ تقول‏:‏ منان في الرفع ومنين في النصب والجر والنون فيهما ساكنة، وإنما كسرها لإقامة الوزن اضطرارا، ونبه على ما يلزم في غير الضرورة بقوله‏:‏ ‏"‏وسكن تعدل‏"‏‏.‏ ثم انتقل إلى المفرد المؤنث فقال‏:‏

وقُلْ لمن قال أتَتْ بِنتٌ مَنَهْ

أي‏:‏ تقول في حكاية المؤنث منه -بفتح النون وقلب التاء هاء- وقد يقال‏:‏ ‏"‏منت‏"‏ -بإسكان النون وسلامة التاء- ثم انتقل إلى المثنى المؤنث فقال‏:‏

والنونُ قبل تا المثنى مُسْكَنَهْ

أي تقول‏:‏ في حكاية المثنى المؤنث منتان -بإسكان النون التي قبل التاء والنون التي بعد الألف‏.‏

وفي الجر والنصب منتين -بإسكان النونين- وبعضهم يحرك النون قبل التاء فيقول‏:‏ منتان ومنتين، وإليه أشار بقوله‏:‏ ‏"‏والفتح نزر‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ لِمَ كان الفتح في المفرد أشهر والإسكان في التثنية أشهر‏؟‏

قلت‏:‏ لأن التاء في مَنَه متطرفة فهي ساكنة للوقف فحرك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان ولا كذلك منتان، ثم انتقل إلى جمع المؤنث فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وصِلِ التا والألفْ‏.‏‏.‏‏.‏ بمَنْ بإثْرِ ذا بنسوةٍ كلفْ

أي‏:‏ تقول في حكاية جمع المؤنث منات -بإسكان التاء- ثم كمل الأقسام بجمع المذكر فقال‏:‏

وقُلْ منونَ ومنينَ مُسْكِنَا‏.‏‏.‏‏.‏ إِنْ قيل جَا قَومٌ لقومٍ فُطَنَا

أي‏:‏ تقول في حكاية جمع المذكر منون رفعا ومنين نصبا وجرا، والنون ساكنة للوقف كما سبق‏.‏

تنبيه‏:‏

في الحكاية بمن لغتان‏:‏

إحداهما‏:‏ وهي الفصحى، أن يحكى بها للمسئول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعهما على ما تقدم من التفصيل، ولم يذكر المصنف غيرها‏.‏

والآخر‏:‏ أن يحكى بها إعراب المسئول عنه فقط، فتقول لمن قال‏:‏ قام رجل أو رجلان أو رجال أو امرأة أو امرأتان أو نساء‏:‏ منو، وفي النصب‏:‏ منا، وفي الجر‏:‏ مني، وقوله‏:‏ ‏"‏وإن تصل فلفظ من لا يختلف‏"‏ تصريح بمفهوم قوله‏:‏ ‏"‏وقفا

احك‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏من يا فتى‏؟‏‏"‏ في الأحوال كلها، وأجاز يونس إثبات الزوائد وصلا، فتقول‏:‏ ‏"‏منو يا فتى‏"‏ وتشير إلى الحركة في ‏"‏منت‏"‏ ولا تنون وتكسر نون المثنى وتفتح نون الجمع، وتنون مناتٍ -ضما وكسرا- وهو مذهب حكاه يونس عن بعض العرب، وحمل عليه قول الشاعر‏:‏

أَتَوْا نارِي فقلت‏:‏ مَنونُ أنتم‏؟‏‏.‏‏.‏‏.‏ فقالوا‏:‏ الجن قُلت عِمُوا ظلاما

وهذا شاذ عند سيبويه والجمهور من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ إثبات العلامة وصلا، والآخر‏:‏ أنه حكي مقدرا غير مذكور‏.‏

وإلى البيت أشار بقوله‏:‏

ونادرٌ مَنُونَ في نَظْمٍ عُرِفْ

وهو لتأبط شرا، ويقال‏:‏ لشمر الغساني، ورواه بعضهم‏:‏ فقلت عموا صباحا، وغلط الزجاج من رواه كذلك؛ لأن القصيدة ميمية، وقال ابن السيد‏:‏ ليس ما أنكره بخطأ، فإنه وقع في شعر آخر منسوبا إلى خديج بن سنان الغساني في قصيدة حائية، ثم ذكر حكاية العلم فقال‏:‏

والعَلَمَ احكينَّهُ من بَعْدِ مَنْ‏.‏‏.‏‏.‏ إن عَرِيَتْ من عَاطِفٍ بها اقْتَرَنْ

إذا سئل بمن علم مذكور لم يتيقن نفي الاشتراك فيه، ففيه لغتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أن يحكى فيه بعد من إعراب الأول، فتقول‏:‏ لمن قال قام زيد‏:‏ مَن زيد‏؟‏ ورأيت زيدا‏:‏ من زيدا‏؟‏ ومررت بزيد‏:‏ من زيدٍ‏؟‏ وهذه لغة الحجازيين‏.‏

وأما غيرهم فلا يحكون، بل يجيئون بالعلم المسئول عنه بعد من مرفوعا؛ لأنه مبتدأ خبره من، أو خبر مبتدؤه من، فإن اقترنت بعاطف كقولك‏:‏ ‏"‏ومن زيد‏؟‏‏"‏ تعين الرفع عند جميع العرب‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ أجاز يونس حكاية سائر المعارف قياسا على العلم‏.‏

الثاني‏:‏ جزم المصنف في التسهيل عن الحجازيين بالحكاية بشرطها، وحكى غيره عنهم جواز الإعراب أيضا‏.‏

الثالث‏:‏ فهم من قوله‏:‏ ‏"‏احكينه‏"‏ أي‏:‏ حركاته حركات حكاية، وأن إعرابه مقدر كما صرح به في غير هذا الموضع، ومذهب الجمهور أن من مبتدأ وزيدا خبره كانت حركته ضمة أو فتحة أو كسرة، وحركة إعرابه مقدرة؛ لاشتغال آخره بحركة الحكاية‏.‏

وقيل‏:‏ الحركة في حال الرفع إعراب بخلاف النصب والجر، وذهب كثير من الكوفيين إلى أنها محمولة على عامل مقدر يدل عليه العامل في الاسم المستفهم عنه والواقع بعد من مبدل منه، وقيل غير ذلك، والصحيح الأول‏.‏ والله أعلم‏.‏

الجزء الخامس‏:‏

التأنيث‏:‏

علامة التأنيث تاء أو ألف‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

التذكير هو الأصل فلم يفتقر إلى علامة بخلاف التأنيث‏.‏ وللتأنيث كما ذكر علامتان‏:‏ التاء والألف، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن علامات التأنيث ثلاث‏:‏ التاء والألف والهمزة في حمراء ونحوه، وذهب بعضهم إلى أن الهمزة والألف قبلها معا علامتا التأنيث، ومذهب الجمهور أن الهمزة في حمراء ونحوه بدل من ألف التأنيث؛ وذلك أنهم لما أرادوا تأنيث ما آخره ألف بألف التأنيث لم يمكنهم الجمع بين ألفين فأبدلت المتطرفة همزة‏.‏

تنبيه‏:‏

إنما قال ‏"‏تاء‏"‏ ولم يقل هاء؛ لأن مذهب البصريين أن التاء هي الأصل والهاء المبدلة في الوقف فرعها، وعكس الكوفيون‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وفي أسامٍ قدروا التاكالكتف

يعني‏:‏ أن المؤنث بالتاء نوعان‏:‏ نوع ظهرت فيه التاء ونوع قدرت فيه، فالأول ثلاثة أقسام‏:‏ مؤنث المعنى نحو عائشة لا يذكر إلا ضرورة، ومذكر نحو حمزة، فهذا لا يؤنث إلا ضرورة، كقوله‏:‏

أبُوكَ خليفةٌ وَلَدَتْه أخرى‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وما ليس معناه مذكرا حقيقة ولا مؤنثا حقيقة نحو خشبة، فهذا يؤنث نظرا إلى لفظه‏:‏ خشبة واحدة‏.‏

تنبيه‏:‏

هذا التقسيم إنما هو فيما يمتاز مذكره من مؤنثه، فإن لم يميز نحو‏:‏ ‏"‏نملة‏"‏

أنت مطلقا؛ ولهذا وهم من استدل على تأنيث نملة سليمان عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَتْ نَمْلَةٌ‏}‏‏.‏

وأما الثاني‏:‏ وهو ما تاؤه مقدرة نحو‏:‏ كتف ويد وعين، ومأخذه السماع‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما الدليل على أن فيه تاء مقدرة‏؟‏

قلت‏:‏ لرجوعها في التصغير نحو‏:‏ كتيفة ويدية وعيينة، ثم أشار إلى ما يعرف به التقدير بقوله‏:‏

ويُعْرَفُ التقديرُ بالضَّميرِ‏.‏‏.‏‏.‏ ونَحْوِهِ كالردِّ في التَّصْغِيرِ

فالضمير نحو‏:‏ ‏"‏الكتف نهشتها‏"‏ والرد في التصغير نحو‏:‏ ‏"‏كتيفة‏"‏ ونحو ذلك كتأنيث خبره أو نعته أو حاله أو عدده أو الإشارة إليه أو جمعه على مثال يخص المؤنث نحو‏:‏ هندات، أو يغلب فيه نحو‏:‏ عقاب وأعقب‏.‏

ثم اعلم أن التاء تأتي لفوائد كثيرة لا حاجة هنا إلى ذكرها، فإن الناظم لم يتعرض هنا لتنبيه عليها، والغرض الأصلي من زيادتها الفرق بين المذكر والمؤنث، ويكثر ذلك في الصفات نحو‏:‏ ضارب وضاربة، ويقل في الأسماء نحو‏:‏ رجل ورجلة، وقد اتسع في صفات فلم تلحقها تاء الفرق وهي خمسة‏:‏

الأول‏:‏ فعول بمعنى فاعل نحو‏:‏ صبور وشكور، وإليه أشار بقوله‏:‏

ولا تَلِي فارقةً فَعُولا‏.‏‏.‏‏.‏ أَصْلا ولا المِفْعَال والمِفْعِيلا

كَذاكَ مِفْعَلٌ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ بمعنى فاعل؛ لأن بنية الفاعل أصل، وقال الشارح‏:‏ لأنه أكثر من فعول بمعنى مفعول فهو أصل له‏.‏ انتهى‏.‏ واحترز بذلك عن فعول بمعنى مفعول؛ لأنه قد تلحقه التاء نحو‏:‏ أكولة بمعنى مأكولة، وركوبة بمعنى مركوبة، وحلوبة بمعنى محلوبة، وربما حذفوها فقالوا‏:‏ ركوب وحلوب‏.‏

والثاني‏:‏ مفعال نحو‏:‏ مكسال ومهذار ومذكار‏.‏

والثالث‏:‏ مِفْعِيل نحو‏:‏ معطير ومنطيق‏.‏

والرابع‏:‏ مِفْعَل نحو‏:‏ مِغْشَم‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ فهم من قوله‏:‏ ‏"‏ولا تلي فارقة‏"‏ أنها قد تلي غير فارقة كقولهم‏:‏ ‏"‏ملولة وفروقة‏"‏ فإن التاء فيهما للمبالغة؛ ولذلك تدخل في المؤنث والمذكر‏.‏

الثاني‏:‏ أشار بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وما تليهِ‏.‏‏.‏‏.‏ تَا الفَرْقِ من ذي فشُذُوذٌ فِيهِ

إلى أن تاء الفرق قد تلحق بعض هذه الأوزان شذوذا كقولهم‏:‏ ‏"‏عدو وعدوة وميقان وميقانة ومسكين ومسكينة‏"‏، وحكي عن بعض العرب‏:‏ ‏"‏امرأة مسكين‏"‏ على القياس‏.‏

والخامس‏:‏ فعيل بمعنى مفعول نحو‏:‏ ‏"‏قتيل وجريح‏"‏ فتقول‏:‏ رأيت رجلا قتيلا وامرأة قتيلا، وإلى تقييده بمعنى مفعول أشار بقوله‏:‏ ‏"‏كقتيل‏"‏‏.‏ واحترز من فعيل بمعنى فاعل نحو‏:‏ شريف وظريف، فإنه تلحقه التاء، وقد يشبه بالذي بمعنى مفعول فلا تلحقه كقوله‏:‏ ‏{‏وَهِيَ رَمِيمٌ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِنْ تَبِعْ‏.‏‏.‏‏.‏ مَوْصُوفَه غالبا التَّا تَمْتَنِعْ

شرط في تجريد فعيل من التاء الفارقة، واحترز بذلك من أن يحذف موصوفه فتلحقه التاء نحو‏:‏ ‏"‏رأيت قتيلا وقتيلة‏"‏ فرارا من اللبس، قال في التسهيل‏:‏ ما لم يحذف موصوف فعيل فتلحقه‏.‏

تنبيه‏:‏

ذكر أبو حاتم أنه إذا جيء بما يبين أنه مؤنث لم تلحقه التاء لأمن اللبس نحو‏:‏ ‏"‏رأيت قتيلا من النساء‏"‏ قيل‏:‏ وعلى هذا فإطلاق المصنف ليس بجيد‏.‏

قلت‏:‏ يمكن أن يحمل كلامه على أن المراد بقوله‏:‏ ما لا لم يحذف موصوف فعيل، أن يستعمل استعمال الأسماء غير جار على موصوف ظاهر ولا منوي لدليل، فحينئذ تلحقه التاء نحو‏:‏ ‏"‏رأيت قتيلة وأكيلة السبع‏"‏‏.‏ وقد أشار إلى هذا المعنى في شرح الكافية‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏غالبا‏"‏ إلى أنه قد تلحقه تاء الفرق حملا على الذي بمعنى فاعل، كقول العرب‏:‏ صفة ذميمة، وخلة حميدة، فقد حمل كل منهما على الآخر‏.‏

ثم انتقل إلى ألف التأنيث فقال‏:‏

وألفُ التأنيثِ ذَاتُ قَصْرِ‏.‏‏.‏‏.‏ وذاتُ مدٍّ نحو أُنثى الغُرِّ

تقدم أن المقصورة أصل الممدودة وأنثى الغر غراء، ثم قال‏:‏

والاشتهارُ في مبانِي الأُولَى

يعني بالأولى‏:‏ المقصورة، وذكر لها من الأبنية المشتهرة اثني عشر بناء، وهي ضربان‏:‏ ضرب يختص بها، وضرب يشركها فيه الممدودة، وسأنبه على ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

الأولى‏:‏ فُعْلَى نحو‏:‏ أُرْبَى -للداهية- ولم ترد إلا اسما، وهو بناء مشترك، ومثال الممدود‏:‏ خُشَشَاء -لعظم خلف الأذن- وعُشَرَاء‏.‏

الثاني‏:‏ فُعْلَى، وهو مختص بالمقصورة، ويكون اسما غير مصدر كبُهْمَى ومصدرا كرجعي وصفة كطُولى، وأما قولهم بهماة فشاذ، وقيل‏:‏ جعلت الألف للتكثير أو للإلحاق على من يثبت بناء فعلل، وما رواه ابن الأعرابي من صرف دنيا شاذ‏.‏

الثالث‏:‏ فَعَلَى، وهو مشترك، فمثال المقصورة اسما بَرَدَى، وصفة كحَيَدَى، ومصدرا نحو مرطى‏.‏

ومثال الممدودة‏:‏ قرماء وجنفاء -وهما موضعان- وابن دَاثَاء، ولا يحفظ غيرها‏.‏

الرابع‏:‏ إذا كان جمعا نحو‏:‏ جرحى، أو مصدرا نحو‏:‏ دعوى، أو صفة نحو‏:‏ شبعى، فإن كان فعلى اسما لم يتعين كون ألفه للتأنيث، بل ألفه صالحة للتأنيث والإلحاق، ومما فيه وجهان‏:‏ أَرْطَى وعلقى وتترى‏.‏

الخامس‏:‏ فُعَالَى، وهو مختص بالمقصورة نحو حبارى -لطائر- ولم يجئ صفة إلا جمعا نحو‏:‏ سكارى، وزعم الزبيدي أنه جاء صفة مفردا، وحكى قولهم‏:‏ جمل عُلادَى‏.‏

السادس‏:‏ فُعَّلَى، وهو مختص بالمقصور نحو قولهم‏:‏ السُّمَّهَى -للباطل‏.‏

السابع‏:‏ فِعَلَّى، وهو مختص بالمقصورة نحو‏:‏ سبطرى ودفقى- وهما لضربين من المشي‏.‏

الثامن‏:‏ فِعْلَى، وهو مختص بالمقصورة نحو‏:‏ ذكرى‏.‏

تنبيه‏:‏

أطلق في قوله فِعلى، وكان ينبغي أن يفصل كما فصل في فَعْلَى؛ وذلك أن فِعلى -بكسر الفاء- إن كان مصدرا نحو‏:‏ ذكرى، أو جمعا نحو‏:‏ حجلى أو ظربى ولا ثالث لهما، فألفه للتأنيث، وإن لم يكن مصدرا ولا جمعا، لم يلزم كون ألفه للتأنيث، بل إن لم ينون في التنكير فهي للتأنيث نحو ضئزى -بالهمزة- وهي القسمة الجائرة، وإن نُون فألفه للإلحاق نحو‏:‏ رجل كِيصَى -وهو المولع بالأكل وحده- وإن كان يُنون في لغة ففي ألفه وجهان نحو‏:‏ ذفرى، والأكثر في ذفرى منع الصرف‏.‏

التاسع‏:‏ فِعِّيلَى، وهو مشترك، فالمقصورة نحو‏:‏ حثيثى وهجيرى ولم يجئ إلا مصدرا، والممدودة‏:‏ فخيراء وخصيصاء ومكناء، وهذه الثلاثة تمد وتقصر ولا رابع لها، والكسائي يقيس على ما سمع من فعيلاء فيمد جميع الباب، وغيره يقصره على السماع‏.‏

والعاشر‏:‏ فُعُلَّى، وهو مختص بالمقصورة نحو‏:‏ ‏"‏كفرى‏"‏، وهو وعاء الطلع بفتح الفاء وضمها، وحكى الفراء سلحفاة، وظاهره أن ألف سلحفاة ليست للتأنيث إلا أن تجعل شاذا مثل بهماة، وحكى في التسهيل‏:‏ سلحفاء -بالمد- وحكاه ابن القطاع، فعلى هذا يكون من الأبنية المشتركة‏.‏

الحادي عشر‏:‏ فُعَّيْلى، وهو مشترك، فالمقصورة نحو‏:‏ خليطى، والممدودة نحو قولهم‏:‏ هو عالم بدخيلاته -أي‏:‏ بباطن أمره- ولا يحفظ غيره‏.‏

الثاني عشر‏:‏ فُعَّالى، وهو مختص بالمقصورة نحو‏:‏ شقارى -وهو نبت‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ واعز لغير هذه استندارا

يعني‏:‏ أن ما لم يذكره هنا من أبنية ألف التأنيث المقصورة مستندر، وفيه نظر‏.‏ ثم شرع في ذكر أبنية الممدودة مقتصرا على الأوزان المشتهرة كما فعل في المقصورة، وجملة ما ذكره سبعة عشر وزنا، وهي أيضا ضربان‏:‏ مختص بالممدود ومشترك، ويتبين بالتفصيل‏:‏

الأول‏:‏ فَعْلاء، كيف أتى اسما كصحراء، أو مصدر كرغباء، أو جمعا في المعنى كطرفاء، أو صفة أنثى أفعل كحمراء أو غيره كديمة هطلاء، وهو قليل‏.‏

الثاني والثالث والرابع‏:‏ أفعلاء -بفتح العين وكسرها وضمها- وإليه أشار بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ أفعلاء‏.‏‏.‏‏.‏ مثلث العين‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ومثالها قولهم لليوم الرابع من أيام الأسبوع‏:‏ أربَعاء وأربِعاء وأربُعاء -بفتح الباء وكسرها وضمها- وأفعلاء بفتح العين مشترك، ومثال المقصورة قولهم‏:‏ أجفلى -لدعوة الجماعة‏.‏

الخامس‏:‏ فَعْلَلاءُ، وهو مشترك، فالممدودة‏:‏ عقرباء وحرملاء -لمكانين- ذكرهما سيبويه، والمقصورة‏:‏ فرتنى -اسم امرأة- وقرقرى -اسم موضع- ولا يكون هذا الوزن إلا اسما مدا وقصرا‏.‏

السادس‏:‏ فِعالاء، وهو مختص بالممدودة ومثاله قصاصاء -وهو القصاص- حكاه ابن دريد، ولا يحفظ غيره‏.‏

السابع‏:‏ فُعْلُلاء، نحو‏:‏ قعد القرفصاء ولم يجئ إلا اسما، وهو قليل، وحكى ابن القطاع أنه يقال‏:‏ قعد القرفصى -بالقصر- فعلى هذا يكون مشتركا‏.‏

الثامن‏:‏ فَاعُولاء، نحو‏:‏ عاشوراء، وهو مشترك، ومثال المقصورة بادولى -وهو اسم موضع‏.‏

التاسع‏:‏ فَاعِلاء، نحو‏:‏ قاصعاء، وهو مختص بالممدودة‏.‏

العاشر‏:‏ فِعْلِياء، نحو‏:‏ كبرياء، وهو مختص بالممدودة‏.‏

الحادي عشر‏:‏ مَفْعولاء -نحو مشيوخاء- وهو جماعة الشيوخ، وهو مختص بالممدودة‏.‏

الثاني عشر‏:‏ فَعالاء، نحو‏:‏ براساء، يقال‏:‏ ما أدرى أي البراساء هو، أي‏:‏ أي الناس هو، وقد أثبت ابن القطاع فعالى مقصورا في ألفاظ؛ منها‏:‏ خزازى -اسم جبل- فعلى هذا يكون مشتركا‏.‏

الثالث عشر‏:‏ فعِيلاء، نحو‏:‏ كثيراء، وهو مشترك‏.‏ ومثال المقصورة‏:‏ كثيرى أيضا‏.‏

الرابع عشر‏:‏ فَعُولاء، نحو‏:‏ دبوقاء، وحروراء، وجعله في التسهيل من

الأبنية المختصة بألف التأنيث المقصورة، وإلى ذلك ذهب ابن عصفور وابن القطاع إلى إثبات فعولى، وأورد من ذلك ‏"‏عبد سنوطى‏"‏ اسم أو لقب، وحضورى -موضع- وديوقى -للعذرة- ودقوقى -قرية بالبحرين- وقطورى -قبيلة في جرهم‏.‏

وفي شعر امرئ القيس‏:‏ عُقَابُ تَنُوفى‏.‏

وعلى هذا فهو مشترك، وهو الصحيح‏.‏

وقد أشار إلى هذه الأوزان الثلاثة بقوله‏:‏

ومطلق العين فعالا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ويعني بالإطلاق‏:‏ أن يحركها بالفتح مع الألف وبالضم مع الواو وبالكسر مع الياء‏.‏

الخامس عشر‏:‏ فَعَلاء، نحو‏:‏ جنفاء -اسم موضع- وهو مشترك كما تقدم في أبنية المقصورة‏.‏

السادس عشر‏:‏ فِعَلاء، نحو‏:‏ سِيَراء -وهو ثوب مخطط يعمل من القز- وهو مختص بالممدودة‏.‏

السابع عشر‏:‏ فُعَلاء، نحو‏:‏ عشراء ونفساء، وهو مشترك كما تقدم في المقصورة‏.‏

وقد أشار إلى هذه الثلاثة بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وكذا‏.‏‏.‏‏.‏ مطلق فاء فَعَلاء أُخِذَا

والله أعلم‏.‏

المقصور والممدود‏:‏

المقصور‏:‏ هو الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة‏.‏

والممدود‏:‏ هو الذي حرف إعرابه همزة قبلها ألف زائدة‏.‏

وكلاهما مقيس ومسموع، وقد أشار إلى ضابط المقصور القياسي بقوله‏:‏

إذا اسمٌ استوجَبَ من قبل الطرَفْ‏.‏‏.‏‏.‏ فَتْحًا وكان ذا نظيرٍ كالأَسَفْ

فَلِنَظِيره الْمُعَلِّ الآخِرِ‏.‏‏.‏‏.‏ ثُبوتُ قصرٍ بقياس ظاهِرِ

اعلم أن القصر والمد لا يكونان إلا في المعتل الآخر، فكل اسم معتل الآخر له نظير من الصحيح، يطرد فتح ما قبل آخره، فهو مقصور كقولك‏:‏ جَوِيَ جَوّى، فإن نظيره من الصحيح‏:‏ أسف أسفا، وهو يطرد فتح ما قبل آخره؛ لأن فَعِلَ اللازم قياس مصدره فعَل‏.‏

فقوله‏:‏ ‏"‏إذا اسم‏"‏ يعني‏:‏ من الصحيح، وقوله‏:‏ ‏"‏وكان ذا نظير‏"‏ يعني‏:‏ من المعتل، وقوله‏:‏ ‏"‏كالأسف‏"‏ مثال للصحيح الذي استوجب من قبل الطرف فتحا‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏استوجب‏"‏ ليس بجيد؛ لأنه يقتضي أن شرط ذلك أن يلزم فتحه فلا يكفي غلبة الفتح، وليس كذلك، بل هي كافية، قال في التسهيل‏:‏ كل المعتل الآخر فتح ما قبل آخر نظيره الصحيح لزوما أو غلبة فقصره مقيس‏.‏ انتهى‏.‏ فمثال ما فتح لزوما اسم مفعول ما زاد على الثلاثة، ومثال ما فتح غلبة مصدر فعل اللازم، فإنه قد جاء على فعالة نحو‏:‏ شكس شكاسة، وعلى مفعول نحو‏:‏ صهب صهوبة، وعلى فعل نحو‏:‏ سكر سكرا‏.‏

قلت‏:‏ معنى قوله‏:‏ ‏"‏استوجب‏"‏ أنه استحق ذلك في القياس فيشمل القسمين، ألا ترى أن مصدر فعل اللازم يتوجب فتح ما قبل آخره في القياس، وإن كان السماع قد ورد في بعضه بخلاف ذلك، والذي يوضح لك أن هذا معنى كلامه تمثيله بالأسف للمستوجب الفتح، وهذا واضح‏.‏

كفِعَلْ وفُعَلْ في جَمْع مَا‏.‏‏.‏‏.‏ كفِعْلةٍ وفُعْلةٍ نحو الدُّمَى

هذان من أمثلة المقصور المقيس، ففعل جمع فعلة نحو‏:‏ مرية ومرى، وفعل

جمع فُعلة نحو‏:‏ دمية ودمى، وإنما وجب قصرهما لأن نظيرهما من الصحيح قِرب جمع قِربة، وقُرب جمع قُربة، ثم شرع في بيان ضابط الممدود فقال‏:‏

وما استَحقَّ قبل آخر ألفْ‏.‏‏.‏‏.‏ فالمد في نظيره حَتْمًا عُرِفْ

يعني‏:‏ أن الاسم الصحيح إذا استحق زيادة الألف قبل آخره، فإن نظيره المعتل واجب المد قياسا، فالمدود المقيس إذا كان معتل الآخر له نظيره في الصحيح يطرد زيادة الألف قبل آخره، وقوله‏:‏ ‏"‏استحق‏"‏ يعني‏:‏ في القياس سواء لزم ذلك كمصدر ما أوله همزة وصل كما سيذكر أو غلب ولم يلزم كمفعال صفة نحو‏:‏ مهداء، فإن نظيره من الصحيح مهذار، وقد جاء منه شيء على مفعل نحو‏:‏ مدعس‏.‏

وقوله‏:‏

كمصدر الفعل الذي قد بُدئا‏.‏‏.‏‏.‏ بهمز وصل كارْعَوَى وكارْتَأَى

هذا مما يجب مده قياسا؛ لأن نظيره من الصحيح تجب زيادة ألف قبل آخره، فتقول‏:‏ ارعواء وارتياء -بالمد- لأن نظيرهما احمرار واقتدار، ثم قال‏:‏

والعادمُ النظير ذا قَصْرٍ وذَا‏.‏‏.‏‏.‏ مَدٍّ بنَقْلٍ كالحِجَا وكالحِذَا

يعني‏:‏ أن ما كان معتل الآخر ولا نظير له من الصحيح يطرد فتح ما قبل آخره، أو زيادة ألف قبل آخره، فلا يؤخذ قصره ومده إلا من السماع‏.‏

فمن المقصور سماعا‏:‏ الحجا -وهو العقل- ومن الممدود سماعا‏:‏ الحذاء وهو النعل، وقد صنف الناس في ذلك كتبا فلا نطول بكثرة الأمثلة‏.‏

تنبيه‏:‏

كلامه مخصص كما قيل مما تقدم ذكره من ألفي التأنيث‏.‏ ثم ختم الباب بالكلام على قصر الممدود ومد المقصور فقال‏:‏

وقَصْرُ ذي المد اضطرارا مُجْمَعُ‏.‏‏.‏‏.‏ عليه والعَكْسُ بخُلْفٍ يَقَعُ

قصر الممدود للضرورة يشبه صرف ما لا ينصرف، فلذلك أجمع على جوازه، ومد المقصور شبيه بمنع ما يستحق الصرف؛ فلذلك اختلف فيه فمنعه

جمهور البصريين مطلقا، وأجازه جمهور الكوفيين مطلقا، وفصل الفراء فأجاز مد ما لا موجب لقصره كالعنى، ومنع مد ما له موجب قصر كسكرى، والظاهر جوازه لوروده، كقول العجاج‏:‏

والمرء يُبليه بِلاءَ السِّربالْ‏.‏‏.‏‏.‏ تَعاقُبُ الإهلالِ بعد الإهلالْ

وقول الآخر‏:‏

يا لك من تَمْر ومن شِيشَاء‏.‏‏.‏‏.‏ يَنشَبُ في المسْعَل واللَّهاء

فمد اللهاء، وهي مقصورة‏.‏

وقال طرفة‏:‏

لها كَبدٌ ملساءُ ذاتُ أسِرَّة‏.‏‏.‏‏.‏ وكشحان لم ينقص طواءَهما الحبل

وممن وافق الكوفيين على جواز ذلك ابن ولاد وابن خروف، وزعما أن سيبويه استدل على جوازه في الشعر بقوله‏:‏ وربما مدوا فقالوا منابير‏.‏

قال ابن ولاد‏:‏ فزيادة الألف قبل آخر المقصور كزيادة هذه الياء، وأما قراءة طلحة‏:‏ ‏"‏يَكَادُ سَنَاء بَرْقِهِ‏"‏ -بالمد- فشاذ؛ إذ لم تثبت لغة، ويمكن أن يكون أراد العلو لا الضوء‏.‏

فإن قلت‏:‏ حُكي الإجماع على قصر الممدود، فليس كذلك؛ لأن مذهب الفراء منعه فيما له قياس يوجب مده نحو فعلاء أفعل‏.‏

قلت‏:‏ هو مجمع على جوازه في الجملة وإن وقع الخلاف في بعض المواضع، والصحيح جوازه مطلقا‏.‏

ورد مذهب الفراء بقول الشاعر‏:‏

وأنتِ لَوْ بَاكَرْتِ مشمولةً‏.‏‏.‏‏.‏ صَفْرَا كَلَونِ الفرس الأشْقَرِ

كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا‏:‏

تقدم حد المقصور والممدود، وإنما اقتصر عليهما لوضوح تثنية غيرهما وجمعه، قال في شرح الكافية‏:‏ إذا قصدت تثنية اسم ولم يكن مقصورا ولا ممدودا فتح آخره ووصل بإحدى العلامتين المذكورتين في باب الإعراب‏.‏

آخِرَ مقصورٍ تُثَنِّي اجعلْهُ يَا‏.‏‏.‏‏.‏ إِنْ كَانَ عن ثلاثةٍ مرتَقِيَا

شمل الألف الرابعة نحو‏:‏ معطى، والخامسة نحو‏:‏ منتمى، والسادسة نحو‏:‏ مستدعى، فتقول‏:‏ معطيان ومنتميان ومستدعيان بقلب الألف ياء في جميع ذلك ولا نظر إلى أصلها، ثم قال‏:‏

كذا الذي اليا أصله نحو الفتى‏.‏‏.‏‏.‏ والجامدُ الذي أُميل كمتى

إذا وقعت ألف المقصور ثالثة فلها أربعة أقسام‏:‏ منقلبة عن الياء نحو‏:‏ الفتى، ومنقلبة عن واو نحو‏:‏ العصا، وأصلية وهي‏:‏ إذا ومتى، والمراد بها‏:‏ كل ألف في حرف أو شبهه، ومجهولة الأصل نحو‏:‏ الددا -وهو اللهو- فإن ألفه لا يُدرى هل هي عن ياء أو عن واو‏؟‏ لأن الألف في الثلاثي المعرب لا تكون إلا منقلبة عن أحدهما‏.‏

فأما المنقلبة عن الياء فتنقلب في التثنية ياء ردا إلى أصلها نحو قولك‏:‏ فتيان، وأما المنقلبة عن الواو فتقلب واوا ردا إلى أصلها أيضا نحو قولك‏:‏ عصوان‏.‏

وأما الأصلية والمجهولة ففيها ثلاثة مذاهب‏:‏

الأول‏:‏ -وهو المشهور- أن يعتبر حالهما بالإمالة فإن أميلا ثنيا بالياء، نحو‏:‏ بلى ومتى، فتقول‏:‏ بليان ومتيان، وإن لم يمالا فبالواو نحو‏:‏ على، وإذا مسمى بهما علوان وإذوان، وهذا مذهب سيبويه، وبه جزم هنا‏.‏

والثاني‏:‏ أن ألفهما إن أميلت أو قلبت ياء في موضع ما ثنيت بالياء، وإلا فبالواو، وهذا اختيار ابن عصفور، وبه جزم في الكافية‏.‏ فعلى هذا يثنى على وإلى ولدى بالياء لانقلاب ألفهن ياء مع الضمير، وعلى الأول يثنيان بالواو، والقولان عن الأخفش‏.‏

والثالث‏:‏ أن الألف الأصلية والمجهولة يقلبان ياء مطلقا‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏جامد‏"‏ يشمل الألفين، فإن الجامد هنا ما لم يعرف له اشتقاق، وقد عبر بعضهم عن الأصلية بالمجهولة‏.‏

والثاني‏:‏ مثل في شرح التسهيل المجهولة بخسا -بمعنى فرد- ولقا بمعنى ملقى لا يعبأ به، ونوزع في المثالين، أما خسا فقال في المخصص يكتب في الألف من خساء مهموزا، وأما لقى فنص ابن جني على أن ألفه عن ياء وهو بمعنى ملقى فهو فعل بمعنى مفعول، والمعنى أنه لخساسته وكونه تافها يلقاه كل أحد فلا يأخذه‏.‏

وقوله‏:‏

في غَيْرِ ذا تُقْلَبُ واوا الألِفْ

الإشارة إلى الأنواع التي تقلب ألفها ياء وهي ما كانت ألفه رابعة فصاعدا أو ثالثة منقلبة عن ياء أو أصلية أو مجهولة وأميلت، وما عدا ذلك تقلب ألفه واوا، وهو نوعان؛ أحدهما‏:‏ ما ألفه ثالثة منقلبة عن واو‏.‏ والآخر‏:‏ ما ألفه أصلية أو مجهولة ولم تمل، وتقدم تمثيل ذلك‏.‏

وقوله‏:‏

وأَوْلِهَا ما كان قَبْلُ قد أُلفْ

يعني‏:‏ من العلامة المذكورة في باب الإعراب، ثم انتقل إلى الممدود فقال‏:‏

وما كصحراء بواو ثنيا

يعني‏:‏ أن ما كانت همزته للتأنيث فإذا ثني تقلبها واوا فتقول في صحراء صحراوان، وكذلك ما أشبهه‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ونحو علباء كساء وحياء

بواو أو همز‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ أن ما همزته للإلحاق نحو علباء أو منقلبة عن أصل نحو كساء وحياء فهمزة كساء عن واو وأصله كساو، وهمزة حياء عن ياء وأصله حياي، فهذان النوعان يجوز في همزتهما وجهان‏:‏ قلبهما واوا وتصحيحهما، فتقول عن الأول‏:‏ علباوان وكساوان وحياوان، وعلى الثاني‏:‏ علباءان وكساءان وحياءان‏.‏

فإن قلت‏:‏ أي الوجهين أجود‏؟‏

قلت‏:‏ ذكر المصنف وفاقا لبعضهم أن قلب التي للإلحاق أولى من تصحيحها والمنقلبة عن أصل بالعكس‏.‏ ونص سيبويه والأخفش على أن إقرار الهمزة فيهما أحسن إلا أن سيبويه ذكر أن القلب في التي للإلحاق أكثر منه في المنقلبة عن أصل، مع اشتراكهما في القلة، وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وغير ما ذكر‏.‏‏.‏‏.‏ صحح‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ أن غير ما ذكر من أقسام الممدود تصحح همزته في التثنية، ويعني بذلك ما همزته أصلية نحو‏:‏ قَرَّاء ووَضَّاء، فإنه لم يبقَ من أقسام الممدود غيره، فتقول فيهما‏:‏ قراءان ووضاءان‏.‏

والحاصل أن الممدود أربعة أقسام؛ لأن همزته إما أصلية أو مبدلة من أصل أو مبدلة من ياء الإلحاق أو مبدلة من ألف التأنيث، وقد عرفت أحكامها‏.‏

تنبيه‏:‏

قال الشارح‏:‏ الممدود على أربعة أضرب؛ لأن همزته إما زائدة وإما أصلية، والزائدة إما للتأنيث نحو حمراء وصحراء وإما للإلحاق كعلباء وقوباء، والأصلية إما بدل نحو كساء ورداء وحياء، وإما غير بدل نحو قراء ووضاء‏.‏ انتهى‏.‏ وفيه تجوُّز؛ لأن الهمزة في حمراء ونحوه ليست زائدة للتأنيث، بل مبدلة من الألف الزائدة للتأنيث عند الجمهور، وكذلك الهمزة في علباء ونحوه إنما هي مبدلة من الياء الزائدة للإلحاق، وتسمية همزة كساء ونحوه أصلية إنما هو باعتبار ما نشأت عنه‏.‏ وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وما شذ على نقل قُصِرْ

يشير به إلى أن الذي يقاس عليه في تثنية المقصور والممدود هو ما سبق ذكره، وما ورد بخلافه فهو شاذ لا يقاس عليه‏.‏

أما الذي شذ في المقصور فثلاثة أشياء‏:‏

الأول‏:‏ قولهم مِذْرَوان -وهما طرفا الألية- وقد يطلقان على جانب الرأس ونحوه، والقياس مِذْرَيان؛ لأن ألفه رابعة، وعلة تصحيحه أنه لم يستعملها مثنى،

قال أبو علي‏:‏ التالي لا يفرد ألبتة، وحكى أبو عبيد عن أبي عمرو مذري مفردا، وحكي عن أبي عبيدة مذري ومذريان على القياس‏.‏

والثاني‏:‏ حذف ألف المقصور خامسة فصاعدا لقولهم‏:‏ خَوْزَلان وضَغْطَران في خوزلي وضغطري -وهو الأحمق- ولا يقاس على ذلك خلافا للكوفيين‏.‏

والثالث‏:‏ قوله بعضهم‏:‏ رضيان في رضى وقياسه رضوان؛ لأنه من ذوات الواو، وقاس الكسائي على ما ندر من ذلك، فأجاز تثنية نحو رضى وعلا من ذوات الواو المكسورة الأول والمضمومة بالياء‏.‏

وأما الذي شذ في الممدود فخمسة أشياء‏:‏

الأول‏:‏ إقرار همزة التأنيث كقولهم‏:‏ حمراءان‏.‏

والثاني‏:‏ قلبها ياء نحو حمرايان‏.‏ قال المصنف‏:‏ وكلاهما نادر، انتهى‏.‏ وحكى النحاس أن الكوفيين أجازوا فيها الإقرار، وحكى غيره أن قلبها ياء لغة فزارة‏.‏

والثالث‏:‏ حذف الألف والهمزة من قاصعاء ونحوه، قالوا‏:‏ قاصعان، وقاس عليه الكوفيون‏.‏

والرابع‏:‏ قلب همزة كساء ونحوه ياء، وفي التسهيل‏:‏ ولا يقاس عليه خلافا للكسائي‏.‏ انتهى، ونقله أبوزيد لغة عن فزارة‏.‏

والخامس‏:‏ قلب الأصلية واوا، قال في التسهيل‏:‏ وربما قلبت قلبت الأصلية واوا‏.‏ انتهى‏.‏ وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه لم يسمع، وقال في شرح التسهيل‏:‏ والحاصل أن المقيس عليه قلب المبدلة من ألف التأنيث واوا وسلامة الأصلية وإجازة وجهين في الملحقة مع ترجيح القلب، وإجازة وجهين في المبدلة من أصل مع ترجيح السلامة، وما سوى ذلك يحفظ ولا يقاس عليه إلا عند الكسائي، وقد تبين ذلك‏.‏

واحْذِفْ من المقصورِ في جَمْعٍ عَلَى‏.‏‏.‏‏.‏ حَدِّ المثنى ما به تَكَمَّلا

الجمع الذي على حد المثنى هو الجمع المذكر السالم، فإذا جمع الاسم هذا الجمع وكان مقصورا حذف لالتقاء الساكنين وأبقيت الفتحة التي كانت قبل الألف لتشعر بالألف المحذوفة، فتقول‏:‏ جاء الأعلون ورأيت الأعلين، وقد أشار إلى إبقاء الفتحة، وعلة إبقائها بقوله‏:‏

والفتحَ أبقِ مُشْعِرًا بما حُذِفْ

وقد فهم من إطلاقه أنه لا فرق فيما ألفه زائدة وما ألفه غير زائدة، وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فنقل عنهم أنهم أجازوا ضم ما قبل الياء مطلقا، ونقله المصنف عنهم في ذي الألف الزائدة نحو حبلى -مسمى به- قال في شرح التسهيل‏:‏ فإن كان أعجميا نحو عيسى أجازوا فيه الوجهين؛ لاحتمال الزيادة وعدمها‏.‏

تنبيه‏:‏

ظاهر كلامه في التسهيل وشرحه أن الكوفيين يجزمون في ذي الألف الزائدة بما ذكر من الضم والكسر، وقال في شرح الكافية‏:‏ وأجاز الكوفيون ضم ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء في المقصور الذي ألفه زائدة، فظاهره أنهم يجيزون الوجهين، وهو الظاهر من نقل غيره‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم يذكر هنا حكم غير المقصور إذا جمع على حد المثنى‏.‏

قلت‏:‏ قد تقدم أول الباب الاعتذار عن اقتصاره هنا على المقصور والممدود، ولما كان حكم همزة الممدود في جمع التصحيح كحكمها في التثنية لم يعد ذكره في الجمع إحالة على التثنية، وكان ينبغي أن ينبه على أن ياء المنقوص تحذف في الجمع على حد المثنى، ويضم ما قبل الواو ويكسر ما قبل الياء فتقول‏:‏ ‏"‏جاء القاضون ورأيت القاضين‏"‏‏.‏

والحاصل أن حكم المجموع على حد المثنى في الصحة والتغيير كحكم المثنى إلا المقصور والمنقوص، فإن آخرهما يحذف‏.‏

ثم انتقل إلى الجمع بالألف والتاء فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وإِنْ جَمَعْتَهُ بتاءٍ وأَلِفْ

فالألفَ اقلِبْ قلبَها في التثنيهْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

الضمير في قوله‏:‏ ‏"‏وإن جمعته‏"‏ للمقصور، ومعنى قوله‏:‏ ‏"‏قلبها في التثنية‏"‏ أنها إن كانت رابعة فصاعدا قلبت ياء، وإن كانت ثالثة فعلى التفصيل المتقدم‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما حكم الممدود والمنقوص إذا جمعا بالألف والتاء‏؟‏ قلت‏:‏ كحكمهما إذا ثنيا‏.‏

فالحاصل أن حكم المجموع بالألف والتاء كحكم المثنى مطلقا إلا في حذف تاء التأنيث مما هي فيه، كما سيأتي‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم ذكر حكم المقصور إذا جمع بالألف والتاء ولم يذكر حكم الممدود وكلاهما موافق للتثنية، فكان حقه أن يترك ذكرهما استغناء بما تقدم في التثنية أو يذكرهما إيضاحا‏؟‏

قلت‏:‏ لما كان حكم الممدود في جمعي التصحيح واحدا لم يذكره استغناء بذكره في التثنية بخلاف المقصور فإنه خالف التثنية في أحد الجمعين ووافقهما في الآخر‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وتاءَ ذي التا أَلزِمَنَّ تَنْحِيَهْ

يعني‏:‏ أن تاء التأنيث تحذف عند تصحيح ما هي فيه؛ لئلا يجمع بين علامتي التأنيث، ويعامل الاسم بعد حذفها معاملة العاري منها فتقول في مسلمة‏:‏ مسلمات، وإذا كان قبلها ألف قلبت على حد قلبها في التثنية، فتقول في فتاة‏:‏ فتيات؛ لأنها عن ياء، وفي قطاة‏:‏ قطوات؛ لأنها عن واو، وفي معطاة‏:‏ معطيات؛ لأنها رابعة، وإذا كان قبلها همزة تلي ألفا زائدة صححت إذا كانت أصلية نحو قراءة وقراءات، وجاز فيها القلب والتصحيح إن كانت بدلا من أصل نحو نباءة فيقال‏:‏ نباءات ونباوات، كما يفعل في التثنية‏.‏

والسالِمَ العَيْن الثلاثي اسمًا أنِلْ‏.‏‏.‏‏.‏ إتْباعَ عين فاءَه بما شُكِلْ

إنْ ساكن العين مؤنثا بَدَا‏.‏‏.‏‏.‏ مُختتما بالتاء أو مُجردَا

يعني‏:‏ أن ما جمع بالألف والتاء وحاز الشروط المذكورة في هذين البيتين تتبع عينه فاءه في الحركة، فتفتح إن كانت الفاء مفتوحة وتضم إن كانت الفاء مضمومة وتكسر إن كانت الفاء مكسورة‏.‏

والشروط المذكورة خمسة، وأنا أذكرها على ترتيبها‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون سالم العين، واحترز به من نوعين‏:‏ أحدهما المشددة نحو جَنة وجِنة وجُنة فليس فيه إلا التسكين‏.‏ والآخر‏:‏ ما عينه حرف علة، وهو ضربان‏:‏ ضرب قبل حرف العلة فيه حركة تجانسه نحو تارة ودولة وديمة، فهذا يبقى على حاله، وذكر ابن الخباز في سورة الفتح ونسب إلى الوهم، وفي المصباح‏:‏ هذيل تقول ديمات -بالفتح- في جميع الباب‏.‏ وضرب قبل حرف العلة فيه فتحة نحو جَوْزة وبيضة، وهذا فيه لغتان‏:‏ لغة هذيل الإتباع، ولغة غيرهم الإسكان، وسيأتي ذكره عند إشارة الناظم إليه‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون ثلاثيا، واحترز به من الرباعي نحو جيأل -علم للضبع فإنه يبقى على حاله‏.‏

الثالث‏:‏ أن يكون اسما، واحترز به من الصفة نحو ضخمة وجِلْفة وحلوة، فليس فيها إلا التسكين‏.‏

الرابع‏:‏ أن يكون ساكن العين، واحترز به من متحرك العين، نحو شجرة ونِبقة وسمُرة، فإنه لا يغير‏.‏

الخامس‏:‏ أن يكون مؤنثا، واحترز به من المذكر نحو بكر، فإنه لا يجمع بالألف والتاء فلا يكون الإتباع المذكور، ولا يشترط أن يكون فيه تاء التأنيث، فلذلك سوى بين المختتم بتاء التأنيث والمجرد منها، فمثال المختتم بالتاء جفنة وسدرة وغرفة، ومثال المجرد منها دعد وهند وجُمْل، فإذا جمعت هذه المثل ونحوها بالألف والتاء تبعت عينها فاءها لجمعها للشروط المذكورة فتقول‏:‏ جفنات وسدرات وغرفات ودعدات وهندات وجملات‏.‏

تنبيه‏:‏

منع الفراء إتباع الكسرة إلا أن يسمع فيحفظ ولا يقاس عليه، وحجته أن فعلات تتضمن فعلا وهو وزن أهمل إلا ما ندر كإبل، ورد بأنه أخف من فعل، فإن تصرف أدى إلى استعماله فلا ينبغي أن يجتنب‏.‏

وقوله‏:‏

وسَكِّنْ التالي غيرَ الفتحِ أوْ‏.‏‏.‏‏.‏ خفِّفْهُ بالفتح فكُلًّا قد رَوَوْا

يعني‏:‏ أنه يجوز في العين بعد الفاء المضمومة أو المكسورة وجهان مع الإتباع، وهما الإسكان والفتح، فاتضح بذلك أن في نحو سدرة وهند من مكسور الفاء وجمل وغرفة من مضموم الفاء ثلاث لغات‏:‏ الإتباع والإسكان والفتح‏.‏ وأما نحو جفنة ودعد فلا يجوز فيه إلا الإتباع، ولا يسكن إلا في الضرورة، وذكر في التسهيل أنه يجوز فيه الإسكان اختيارا لأمرين؛ أحدهما‏:‏ اعتلال لامه نحو ظبيان، والآخر‏:‏ شبه الصفة نحو أهل وأهلات، ولم يستثنِ أكثرهم هذين النوعين، والأول حكاه ابن جني عن قوم من العرب، فإذا صح النقل وجب قبوله‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ أشار بقوله‏:‏ ‏"‏فكلا قد رووا‏"‏ إلى ثبوت هذه اللغات نقلا عن العرب خلافا لمن زعم أن الفتح في نحو غرفات إنما هو على أنه جمع غرف، ورُدَّ بأن العدول إلى الفتح تخفيفا أسهل من ادعاء جمع الجمع، ورده السيرافي بقولهم‏:‏ ‏"‏ثلاث غُرَفات‏"‏ -بالفتح‏.‏

الثاني‏:‏ مذهب أبي علي والجماعة أن السكون في نحو غرفات تخفيف عن الضم وليس على الأصل، واستدل أبو علي بأن السكون لم يجئ في المفتوح على الأصل إلا نادرا في الشعر فلا يحمل عليه الشائع الكثير، وكذلك الفتح عندهم تخفيفا عن الضم، عدلوا عن الضم إليه، وذهب بعضهم إلى الفتح إتباع لما بعد، وان التسكين تسليم للمجموع، واستدل بقول سيبويه‏:‏ ومن العرب من يدع العين ساكنة، فهذا دليل على أنه سكون الأصل، وظاهر قوله‏:‏ ‏"‏وسكن التالي الفتح أو خففه بالفتح‏"‏ موافقة أبي علي والجماعة‏.‏

ومنعوا إِتْباع نحو ذروه‏.‏‏.‏‏.‏ وزبية‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ أن العرب منعوا إتباع الكسرة فيما لامه واو، وإتباع الضمة فيما لامه ياء؛ لاستثقال الكسرة قبل الواو والضمة قبل الياء، ولا خلاف في ذلك‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وشذ كسر جروه

إشارة إلى قولهم‏:‏ جِروات -بكسر الراء- حكاه يونس وهو في غاية الشذوذ؛ لما فيه من الكسر قبل الواو‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قد ظهر بهذا أن لإتباع الكسرة والضمة شرطا آخر غير الشروط السابقة‏.‏

الثاني‏:‏ فهم من كلامه جواز الإسكان والفتح في نحو ذِرْوَة وزُبْيَة؛ إذ لم يتعرض لمنع غير الإتباع‏.‏

الثالث‏:‏ فهم أيضا من إطلاقه جواز اللغات الثلاث، في نحو خطوة ولحية، ومنع بعض البصريين الإتباع في نحو لحية؛ لأن فيه توالي الحركات مرتين قبل الياء قال ابن عصفور‏:‏ كما لم يحفلوا باجتماع ضمتين والواو، كذلك لم يحفلوا باجتماع كسرتين والياء‏.‏

ونَادِرٌ أو ذو اضطرارٍ غير ما‏.‏‏.‏‏.‏ قَدَّمْتُه أو لأناس انْتَمَى

يعني‏:‏ أن ما ورد من هذا الباب مخالفا لما تقدم فهو إما نادر، وإما ضرورة، وإما لغة قوم من العرب، فمن النادر قول بعضهم‏:‏ كَهَلات -بالفتح- وقياسه الإسكان؛ لأنه صفة، ولا يقاس عليه، خلافا لقطرب، ومنه قول جميع العرب‏:‏ ‏"‏عِيَرات‏"‏ -بكسر العين وفتح الياء- جمع عير وهي الدابة التي يحمل عليها، والعير مؤنث، وذهب المبرد والزجاج إلى أنه ‏"‏عَيرات‏"‏ بفتح العين، قال المبرد‏:‏ جمع عَيْر -وهو الحمار- وقال الزجاج‏:‏ جمع عير، الذي في الكتف أو القدم وهو مؤنث، ومنه جروات كما تقدم‏.‏

ومن الضرورة قوله‏:‏

فتستريح النفسُ من زَفْراتِهَا

وقياسه الفتح‏.‏

ومن المنتمي إلى قوم من العرب فتح العين المعتلة بعد الفاء المفتوحة نحو‏:‏ جوْزة وبيضة، فإنها لغة هذيل‏.‏ قال شاعرهم‏:‏

أخو بيضات رائح متأوب

وبلغتهم قرئ‏:‏ ‏{‏ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ‏}‏، ومنه إسكان العين في نحو ظبية؛ لاعتلال لامه كما تقدم‏.‏ والله أعلم‏.‏